Kelibia , le dernier Paradis sur terre

Kelibia , le dernier Paradis sur terre

dimanche 25 avril 2010

Impossible de traiter cette transaction


اشتدت علي وطأة مرض، مرض بغيض باغتني في أزمة من أزمات حب لا نهاية له، و لازمني سعال مزمن افقدني صوتي، حرمني من النوم ليال طوال، ليال لم أمل خلالها من التفكير فيها، سعال تمنيت لو انه قتلني لتخليصي من هذا العالم السخيف، عالم لم أر أتفه منه، ارتبط وجودي فيه بكلمة من شفتيها تذيبني، أو نظرة من توأمي عينيها، عيني الريم، التي لم أجد ما يضاهيهما جمالا خلال سنوات حياتي ألاثنتي و العشرين، اثنتان و عشرون سنة قلبتها رأسا على عقب، و لكن ، دون أن تدري...ـ

فكرت في اقتناء دواء، عله يخفف عني وطأة عذابي الجسدي، دون النفسي، و لكن الدواء للأغنياء، و ما أنا بغني، ظننت أن كوب حليب دافئ و كسرة خبز سيفيان بالغرض، عرجت على "التوهامي"، صاحب مغازة او شبه مغازة في الإقامة التي اقطنها، وبعد أن أديت واجب التحية و السلام و إعادة السلام و السؤال الملح عن حال الأحباب و الوعد بعيادة الأهل و كل من انتمى لشجرته العائلية من قريب أو من بعيد، طلبت منه خبزة، لبى طلبي ببشاشة ما بعدها بشاشة، و لكن ما راعني إلا انه قدم لي، و دون مبالاة، رغيفا قزما، لم أر أفظع منه، رغيف تعجز العين المجردة عن رؤيته لصغر حجمه، فأجبته على الفور ضاحكا، ظانا أنها إحدى نكاته السخيفة : "لله درك يا "التوهامي"، فانا أريد خبزة، لا كعبة كاكي، بصفتي مواطنا عاديا، توفرت في جميع شروط المواطنة و عليه، فانا أطالب بحقي في العيش الكريم، كما نص الدستور"ـ

أجابني صاحبنا :" ويحك يا هذا، هذاكا هو الميجود، عاجبك ولا كسر راسك، البلاد في ازمة في الفرينة و الطحين، و اشري ولا طير قرنك" ، استجمعت كل ما بقي في صميمي من كرامة و شهامة، و رميتهما عرض الحائط، و ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضة، اعرض حتى من نهدي واحدة من عاهرات روتانا، و طلبت منه بكل لطف باكو حليب دليس ازرق، لكنه قال لي بكل برود " بدينار و ثلاثين"، أصبت بالهلع و أنا اسمع هذا الرقم الخيالي، دينار و ثلاثون يا أبا قلب ؟ لن أستطيع ، مهما فعلت (فيما تخوله لي الطرق الشرعية) إن أوفر لنفسي هذا المبلغ، فانا طالب، و قليل ذات اليد، بل و أسدد فواتير الماء و الكهرباء، اللذين بفضلهما غادرنا نهائيا و من دون رجعة، قائمة مناطق الظل، و لكن، مازلنا نعيش الذل، و على المدى البعيد !!! ثم خرجت مباشرة على عجالة ، فكتونسي ساقي أعلى من راسي، قبل أن تتجلى حكمة "التوهامي" في تنظيره لازمة البقر و، و،و ... في حين أن البلاد كلها بقر، و في كل مكان، حتى في رحاب الكار الصفراء... وكذلك السميد، و الطحين، موجود في كل مكان في ارض الوفاء بالوعود، تبارك الله...، و انا في مخرج المغازة، تذكرت عالمين جليلين اثنين، قلما جاد الزمان بمثلهما : داروين، و الشيخ دغفان ابن ابي المكحوط، أو أيا كان اسمه، الأول، ادعى أن أصلنا قرد، ثم تطورنا ، في حين أننا مازلنا نرى الاستقراد حاضرا معيشا: فنحن نصر إلحاحا على اشتراء الكاكي بما قيمته مائتان و اربعون من مليماتنا، و كل يوم و فصل ، أما الثاني فكاني به تنبآ بالأزمة الاقتصادية العالمية، و النقص الحاد في عدد رؤوس الأبقار، و بالتالي الغلاء المشط في أسعار الحليب، فأفتى في إرضاع الكبير من زميلة العمل، و على كل، فالمرأة هنا كالبقرة، تنكح، تُرضِع، و تلتزم البيت !!! مسكين أنت يا طاهر الحداد، لقد بُعثت في شعب نسائه تعادي النساء، فكيف بحال الرجال!!ـ

و أنا في حيرتي اللامنتهية، قررت أن أهاتف أمي، لترسل لي ما تيسر من الدنانير، الحد الأدنى أللذي يضمن لي العيش الكريم، إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، لم تبد اعتراضا، لكنها ما فتئت تذكرني بان الاقتصاد نصف المعيشة ، أو ثلاثة أرباعها، إلى أن خاطبني صوت امرأة مجهول، آمرة إياي بإعادة شحن رصيدي !

اتجهت بعدها إلى محطة المترو الخفيف، و أنا أساءل نفسي عن مصدر هذا الاسم الكاريكاتوري، فهذا الكائن الأخضر المرعب، لم أر طوال حياتي ما أثقل منه، جسما و ملائكة ! دفعت ما كتب الله لي، و اقتنيت تذكرتي بكل فخر و ثقة في النفس، فتلك خير ضامن لي من براثن ذئاب الكنترول ، و بعد وقت قارب الدهر، أتى أخيرا هذا المترو متبخترا، فتحت أبوابه على مصراعيها، و يا ل هول ما رأيت: منظر لا تصدقه عين و لا أذن : كرسي شاغر !!! قرصت نفسي طويلا كي اتاكد أنني لست في حلم، و فعلا، عرفت وقتها أنها اليقظة، و أنني على أعتاب المازوشية !!! ثم جلست على كرسيّ مطلقا زفرة طويلة، و انطلقت في راسي الصغير أصوات ام كلثوم و زقزقة عصافير احتفالا!!...ـ
و لكن ، فرحي لم يدم اكثر من بضع دقائق، ففي محطة سليمان كاهية، رايت ما لا يبشر بالخير: جحافل جيش عرمرم من المسافرين ملت الانتظار و كشرت عن أنيابها و الاسوا من ذلك ان نصفهم عجائز، كرسيّ إذن في خطر ! فكرت سريعا في إستراتيجية استباقية لدرء هذا التهديد المباشر ، ثم اغمضت عيني متظاهرا باستغراقي في نوم عميق، و بالصمم، والعمى و الاختلال العقلي ... و لكن... ربت احدهم على كتفي بكل حنان، اذا اعتبرنا نظرية النسبية لانشتاين القائلة بان حنان قوم عند قوم ضرب موجع، تلفتت خلفي فوجدته يشير بإصبعه بصيغة الأمر المؤكد نحو عجوز واقفة فوق راسي ، تنظر الي بذل و تتمتم ببعض الطلاسم المبهمة، انصعت لهما و غادرت موقعي و انا العن أم مفهومي الأخلاق و التكافل الاجتماعي، و الشعارات الخشبية كالتونسي للتونسي رحمة و ما إلى ذلك، و إلا ، فارحموني!!!ـ

اندسست بعدها بين القطيع، و انا في كر وفر، اقاوم العفس و الرفس، حفاظا على حياتي، فانا، رغم كل شيء، استحق الموت في مكان اقل قذارة من هذا، و طفقت ابحث عن عمود ، أو بعض من عمود، أتشبث به بكل جوارحي، واجهت مصيري بكل بسالة، ودافعت عن وجودي كاسد، رفعت العديد و العديد من التحديات، عملا بالمقولة و التوصيات، و ظللت أحارب إلى أن شارفنا على الدندان ....، و هنا.. فوجئت بحالة الطرقات المزرية و الكئيبة : حجارة و حفر في كل مكان، و كاني بها تعرضت لقصف، بُعَيْد الاحتفال بالذكرى الخامسة و العشرين لقيام كيان البلدية المبارك و المجيد، لكن ذاك مألوف جدا، و لم يعد يغيظ أيا منا، فحتى "حمودة طيارة**" (شخصية من شخصيات قليبية) بإمكانه فعل ذلك و اكثر، و لكن الفخر و كل الفخر و التقدير، لبلدية استحي من ذكر اسمها علنا، كرست كل وقتها و جهدها، لمفاحشة الشواطئ، في قليبية!!! ـ

ثم قطعت افكاري الثورية فجاة، صيحة زعزعت الأرض تحتنا، صاحبها هيجان و فرح عارم، في احدى المقاهي، ظننت لوهلة ان فلسطين و بحار قليبية قد حررت، و لكن اتضح ان شباك احد الفرق العريقة اهتزت، و اهتزت معها أرجل وعينا الجماعي!!ـ

ضحكت ضحكا كالبكاء و استمررت في النضال الأبدي ، و مع كل رجة من رجات المترو تسمع صيحات الفتيات، و تراهنّ يَرْهُزْنَ و يَرْهُزْنَ و يَرْهُزْنَ، و يتأوّهن و يتألمن، لكن بدون متعة !
بقيت معلقا في عمود كتبه الله لي طوقا للنجاة، و أنا أقاوم سكرات الموت ، عزائي الوحيد وقتها هو "غرق" يدي ، دون قصد، بين نَهديْ فتاة حنون، قبل ان اتلفت و أجدهما خِصْيتيْ رجل سمين قذر، له من خصال "آرسطو" إثنتان : بشاعة وجهه و شذوذه الجنسي!!ـ

أقسمت بأغلظ الأيمان ألا أعيد ركوب هذا الماخور الأخضر مجددا، ففيه فقدت كل مقوماتي، كانسان، ثم كرجل ، و بقيت تائها، مستسلما، أسلمت أمري لخالقي، فهو ارحم بي من هذا السّائق السّادي، و كان لي موعد متجدّد في كل محطة، من باردو إلى الباساج، مع ارقي فنون الشتم و السّباب: فالتونسي كما عُلم من مصادر موثوق منها، يجيد كل فنون الشتيمة، و منها ، كما قال يوما صديقي "عزيز عمامي" في مقاله "نهار كلب" (للنزاهة)، ما هو مطابق لما جاء في كتاب "بهجة الألباب، في البونية و الكف و السباب" لصاحبه العلامة محرز ابن أبي سلحوفة، و ذلك انه يتميز بتوفر ثلاث شروط فيه، كي يرقى لمرتبة السباب المقذع ، و هي، المزج بين البذائة و الإباحية، و يحبذ أن تكون ذا بعد لا أخلاقي كي لا تسقط عن الشتيمة ميزة المصداقية، و أما الشرط الثاني فهو ذكر الام و الاخت و ما بينهما، و يكون ذلك بطريقة سلسة دون الإطالة و لا التمليل، و أخيرا ، و حسب المذهب المتبع، فقد راى اهل الذكر، من "علي شوارب**" الى "ابي هبرة**" ، ان اضافة لمسات إرتجالية الى الشتيمة، بحيث تطير بك عند سماعها خارج المكان و الزمان ، يكون مستحبا


عرفت حينها ان احدهم دعا علي دعاء شر عاجل التنفيذ: فقد تعطب جوالي و لم يعد بإمكاني الاستماع لا إلى آمال مثلوثي و لا ظافر يوسف، و حُكم عليّ ان اتحمل هذا الفيض من التفاهة، و التحاليل المعمقة لمباريات الكرة، و الفرح اللامنتهي بكأس إفريقيا ، دون التطرق إلى غلاء أسعار المحروقات، و ما إلى ذلك،...ـ

تنفست الصعداء و حمدت الله كثيرا ، فها قد شارفنا على "الباساج"، و انا حي أُرْزق، بل و غير مبتور الأعضاء، ثم خرجت مما كان سيكون قبري، أشم هواء الحرية العليل، لقد عادت اليّ إنسانيتي اخيرا، و كرامتي معها، مجروحة دون ريب، و لكنها عادت ! شققت طريقي وسط القطيع ميمّما شطر شارع وحيد القرن، المجاهد الأكبر، الحبيب بو رقيبة، حيث يوجد مقر البنك الفلاحي تحت نزل الهناء الدولي ! تفقدت حافظتي و أخرجت البطاقة الممغنطة، وقفت شامخا أمام الموزع الآلي مُدْخِلا بطاقتي و كلمة العبور معها، تذكرت حينها "علي بابا" و "كهف سمسم"، و بدأت أمني النفس بالدنانير و رأس المال، ساخرا من "ماركس" و "لينين" ! و لكن...
كُتبت أمامي جملة وحيدة، كادت ان تخرجني من ملة الإسلام

"impossible de traiter cette transaction"
و هي ما تطابق حرفيّا ، في لغتنا العامّية السمحة : " برّى يا وخيّ يعطيك بييييييييييب !" ، فأمًا "البيييييييب" هذه فعبارة عجيبة غريبة، تفتح أبوابا واسعة أمام التأويلات، و ذلك يعتمد على ثقافة المتلقي و منشإه، فهي بذلك فاقت البلاغة و المجاز كثيرا، لم ينتبه إليها لا امرئ القيس و لا عنترة، و لكن، وا أسفاه، فإنها في بلد يعاني شعبه الكبت الجنسيّ و العاطفي ، لا تُفْهَمُ إلا بطريقة واحدة ، تكون جارحة للأخلاق الحميدة!!!ـ


و بعد لحظات أرغدت فيها و أزبدت، و لعنت أمّ التكنولوجيا دون أبيها، توجهت صوب حمّاص قريب ، و في جيبي ما يقارب مائة ملّيم نقدا، اشتريت سيجارة الصفاء ناصعة البياض (كريستال)، و توجهت الى مكان مقدس، حيث كنت أوصلها سابقا، محطة الحافلات الخاصة، حافلات الحي الخامس، أو الرابع، أو حتى الثلاثين بعد الألف، كثمن الحليب، لا يهم، فعندما أكون معها لا أذكر شيئا... إلا عينيها... و شعرها... و ابتسامتها... ابتسامتها الاسطورية التي تطير بيٌ إلى عوالم مجهولة... ابتسامتها التي ربما، حتى هي، لم تكنه مدى روعتها... تلك الابتسامة التي اكتشف فيها، كل يوم، مسحة من جمال متجدّد، و لا منتهٍ... جعلتني اكره كل الفتيات، دونها... أعمتني عن كل النساء، ... فما هنّ بنساء، امامها .. لقد قررت تقديسها... فهي في كفّة، و كل بنات العالم في الأخرى.. و ترجح كفّتها...!ـ


وقفت طويلا أمام الأطلال البائسة...، كما فعل غيري من شعراء الجاهلية، قبل اختراع الحافلة.. وزارة الداخلية على يميني و تونس البحرية على شمالي، أشعلت سيجارتي ببطء، وضعت يدي على ركبتي، ثم نفثت بعضا من دخان، و طافت بخاطري بعض من ذكريات، عندما كنت أصحبها إلى هذا المكان، مكان حجّي، ضحكت طويلا من "نزار قبّاني"... فلو رآها... لما كتب يوما عن "بلقيسه" ولما نعاها... فهل لبلقيس بعض من جمالها، أو عذوبة صوتها ؟

أكملت سيجارتي المحترقة كقلبي، أطفئتها برجليّ، تمنيت لو فعلت ذات الشيء بقلبي، و لكن.. ذلك مناف لقواعد الطب و البسيكولوجيا، ضحكت طويلا من نفسي، تحسّست لحيتي الشعثاء، لم أحلقها منذ ما يقارب الشهر و النصف، فكعادة العظماء الذين شارفوا على الجنون، قرّرت أن أجعل من تلك اللّحية رمزا لهذا الحب الأفلاطونيّ، اللذي جعلني في الدرك الأسفل من الضعف الإنسانيّ ، فلن تزول إلا، بزوال هذا الحب، أو بموتي!!!ـ

أدرت ظهري للحافلة، و غادرت المكان، و معه ذكرياتي، قاربت الشمس على المغيب، ذكرني لونها بشعرها، لكني تحاملت على نفسي، و قررت أن أتوقف عن التفكير فيها، و لو للحظات، فأنقذتني منها بنادق حرس الداخلية المصوبة نحوي، ثم طفقت أهرول بين مقاهي شارع بورقيبة، بين المليحات في خمورهن السود، و البغايا بصدورهن النضرة، بين الملتحين و البوهميين، في فسيفساء تعكس تناقض هذا الشعب، و أنا أمشي و أنا أمشي، كمرسال خليفة، لكن مطأطئ الرأس ذليلا!ـ

وصلت أخيرا إلى محطة الحبيب ثامر، و اجتزت بنجاح العقبة الأولى : الكنترول ، لكن تذكرت الوعد الذي قطعته على نفسي فيم يخص ركوب المترو، لقد سبق أن أقسمت بأغلظ الأيمان أن أهجره دون رجعة، لكنني قررت أخيرا أن أصوم أيّاما ثلاثة: فعندما تكون طالبا، و فقيرا، يكون الصوم أسهل لك من الإفطار!ـ
بلغت نسب السكر في دمي أرقاما قياسيّة قبل أن يصل المترو، كعادته ساخرا، فُتحت أبوابه أمامي، بحثت في أعماقي عن بقايا إنسانيتي، ثمّ لممت شملها و تخلّيت عنها تاركها عند الباب، لحالها، فماذا سأفعل بإنسانيتي وسط المترو ؟ استعوذت و بسملت ثمّ قرأت المعوذتين، وأخيرا صعدت مواجها قدري ! و عندها تأكدت، أننا كشعب، نساهم كل يوم، بفضل هذا المترو، في ترسيخ مفهوم جديد و ثوري، سيعرّف يوما في لسان العرب، بــ "الإستدعار" : أي أن تدفع ثمن التذكرة (لم يكن الحال بالنسبة لي) مقابل أن تُفْعلَ فيك الفاحشة في إحدى وسائل النقل!!!ـ
و بعد رحلة محفوفة بالمخاطر، و غير مضمونة العواقب، وصلت أخيرا إلى "منّوبة"، نزلت في "سليمان كاهية" و رأسي ثقيلة، كنت شبه سكران برائحة أفواه المخمورين، و أرجلهم!ـ



واصلت مسيرتي، بكل شجاعة، على أطراف قدمي، متحسّبا لــ"رافل" مفاجئ، أو غارة من جبهة معادية في حومة "سيدي عمر"، و لكن مرّ كلّ شيء بسلام، إلى أن رأيت منظرا تعودت عليه : شاحنة من نوع 4.4baché أصيلة، عليها لطخة بنفسجية ربما يقصد بها الزينة، تماما كمعهد "عزيز الخوجة" في قليبية، معهدي و معهد والديّ، كلّ حجر فيه شاهد على إنجازاتي، و الذي خالف مديره الجديد كل التوقعات، و استثمر بعضا من ميزانية المعهد، ليلبسه حلة جديدة : طلاه باللون البنفسجي !! و إلى جانب هذه اللطخة في الشاحنة، كُتبت بخط كوفيّ عبق "هذا من فضل ربّي" ، و داخلها أربعة من ذوي الشوارب و الأنف المعقوف، يحتسون الجعة ... جعة تونسية بلونيها الأبيض و الأحمر القاني، رمزا للصفاء و دماء الشهداء الأبرار! أكْبَرْتُ في أربعتنا حسّهم القومي و الوطني ثمّ بُعد نظرهم من النّاحية الإقتصادية الصرفة، فباشترائهم الجعة فإنهم بذلك يحيون قرونا من التاريخ ، أكل عليها الزّمن و شرب، حيث أن البيرّة عربية المنشإ و الأصل ، و كانت تُسمّى بالفقيع، و هم كذلك ، من منظور وطني، يشجعون على الإنتاج المحلّي دون غيره، و أخيرا ففي ذلك درء للأزمة الإقتصادية!ـ


حيّيْت فيهم حسن مواطنتهم، و أكملت طريقي، و أحدهم يقول، و كله سعادة :" المعلم فوزي البنزرتي صحح كنتراتو بعامين مع الاكيب ناسيونال"
غمرتني فرحة لا توصف بسماع هذا الخبر الذي نزل علي بردا و سلاما، فها قد حُلّت جميع مشاكلنا ، فهذا الرجل الشهم، عُرِفت عنه وطنيته اللامحدودة، و أنا شبه مُتأكد أنه سيبادر، و من أوّل راتب، إلى توزيع الحليب و الخبز مجّانا، بل و سجائر "اللّيجير" الجيّد أيضا!ـ

و في غمرة هذا الفرح، و البطنُ خاوية، صعدت في مصعد الإقامة التي أقطنها إلى منزلي، و كلّي آمال في كرم رفقائي في السّكن، و الصّداقة القليبيّة الصّفاقسية الزغوانية، و خاصّة قدرتي العجيبة في "التلهميك"، وجدتهما بصدد إقامة وليمة في المنزل، كعبة كايك و يوغرطة دليس لكل منهما، فبادرتهما بسلام حارّ و ضربت البندير طويلا، و ثمّنت فيهم كرمهم الحاتميّ (نسبة إلى الحاتم الطائي، و هو أكرم كرماء العرب، قبل أن ينقرضوا).ـ

ثم و لجنا ثلاثتنا إلى غرفتي، الأنا و الهو و الأنا الأعلى، مُمَنّين النفس بأحلام سعيدة، علّي أحلم بكوب حليب دافئ، أو خبزة أسطورية كاللتي كانت تباع أيّام طفولتنا، أو.. بها.. تلك اللتي تسكن الحي الخامس، و قلبي !! و لكن.... سيأتي يوم، و عمّا قريب.. أتّخذ فيه قرارا تاريخيّا يغير مصير البشرية جمعاء : سأحلق لحيتي ...
فعلى هذه الأرض ما يستحقّ الحياة .....ـ


SAIF KSIBI
23/02/2010

Pour soutenir la ville de Kelibia, veuillez signer la pétition "contre la privatisation des plages de Kelibia" à partir de ce lien http://Kelibia.net/?petition





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire